الأحد، ٢٩ رجب ١٤٢٨ هـ

ليس عندي وقت


ليس عندي وقـت
.
.
قصة "ليس عندي وقت" هي احدى القصص القصيرة من كتاب "مصباح لكل إنسان
اسم المؤلف : انيس منصور
تاريخ النشر : طبعة أولى مارس 1997
طبعة ثانية يناير 2001

أنت تقولها وتسمعها ألف مرة في اليوم.. ومعني ذلك أن أل24 ساعة لا تكفي للأكل والنوم والعمل والفسحة.. وفي نفس الوقت أنت لا تعرف كيف يذهب الوقت والعمر بهذه السرعة.. وعلي الرغم من أن كل شيء يجري.. وكل شيء يتم بسرعة إلي أن هذه السرعة لم توفر لنا الوقت..

فالأطباء ينصحون بأن نأكل علي مهل ونمضغ علي مهل.. وأن ننام بعمق وأن لا نخلط العمل باللعب واللعب بالنوم والنوم بالأكل.. ولكن الناس جميعا يقولون: لا وقت


ولذلك فالمرأة العاملة لا تطبخ هي.. وإنما تشتري طعاما جاهزا من السوبر ماركت، الطعام نصف مطبوخ.. أو مطبوخ كله.. فليس عندها وقت إلي جانب العمل والراحة وتربية الأولاد أن تطبخ للأولاد والزوج.. ثم أن الزوج لا يساعدها في شيئ.. فكل العبء فوق دماغها..

والدول الصناعية ذهبت إلي خطوة أبعد من ذلك، فزودت البيوت بالمطبخ الاّلي.. فلا تكاد ست البيت تصل إلي البيت حتى تضغط علي ""الزر"" فكل شيء يتم طهية في دقائق.. بل إذا لم يكن عندها وقت لدخول المطبخ فهي تستطيع أن تطلب رقم تليفون المطبخ.. وتعطيه أمرا بأن يعمل.. وفجأة كل شيء يعمل.. ولا تكاد تصل إلي البيت حتى تنقل الحلل من الأفران وتغرف الطعام في الأطباق الموجودة علي تربيزة في المطبخ.. ثم تضع الأطباق في الغسالة.. وكل ذلك ف الغسالة.. وكل ذلك يتم في دقائق. فليس عندها وقت!

وإذا كانت تري أن المطبخ يضيع وقتها، ففي استطاعتها أن تبتلع كمية من الفيتامينات مع قليل من الكولا.. وهي أطعمة مركزه مهضومة.. فليست في حاجة إلي الأسنان ولا في حاجة إلي المعدة.. فلا شيء له طعم.. ولا طعام له لذه.. وإنما كل شيء يتم إعداده وابتلاعه وهضمة بسرعة. لأنه لا وقت!

ومن الممكن أن يجلس الإنسان الأوروبي والأمريكي أمام التليفزيون يقرأ ويكتب ويبتلع الفيتامينات وهو يتفرج علي البرامج وبعد ذلك يضغط علي "الريموت كنترول" فينطفئ التليفزيون وكل الأضواء في البيت وينام حيث هو..

والتلفزيون انتقل من البيت إلي السيارة.. وانتقل أيضا إلي أن أصبح في حجم الساعة نضعه في أيدينا_ والسبب أنه لا يوجد عندنا وقت. أو أن الوقت الذي عندنا من الممكن أن نعمل فيه أشياء كثيرة معا: نقود السيارة ونتفرج علي التلفزيون ونأكل السندوتش ونتكلم في التليفون..

أخر تقليعة هي أن العامل أو العاملة التي ليس عندها وقت فإنها تركب البسكلت وفوق دماغها تضع حبل غسيل لتنشر عليه الملابس التي تجف تعرضها للهواء والشمس.. أما غسل المناديل مثلا ففقد وجدوا لها تقليعة أخري وهي أن تضع السيدة علي جانبي الساقين حوضا من البلاستيك بة ماء ساخن وصابون وبعض المناديل.. فحركة المشي ترج الماء وبذلك تنظف المناديل.. فإذا وصلت إلي مكان العمل.. أفرغت الحوضين وعصرت المناديل. ووضعت الجميع في كيس من البلاستيك!

العجيب أن السرعة التي حققها الإنسان في كل شيء لم يصل إليها إلا ببطء شديد..فأنت إذا ضغطت علي زر أضاء الغرفة.. فعملية الإضاءة هذه استغرقت من العلماء مئات السنين!

وأكثر الناس كراهية للسرعة هم الذين يحققونها لنا.. فالذين اخترعوا الطائرة والفاكس والتليفزيون، لم يصلوا إلي ذالك علي وجه السرعة وإنما علي مهل وبمنتهي الدقة والصبر والتأكد من كل خطوة.

وسوف يبقي الإنسان مريض الجسم والنفس مادام ينساق وراء السرعة ومادامت شكواه هي ضيق الوقت..

أما الصحة فهي أن ينسحب من جنون السرعة ويرتمي علي الأرض تحت شجرة أو علي الرمل عند شاطيء وينام ويقوم على مهله ويأكل ويمضغ ويعطي للمعدة فرصة لكي تهضم. فهذه هي الصحة بلا عقاقير.. ورغم أهمية الذي أقولة لك الاّن فقد اتجهت عيناك إلي مكان أخر لأنك تريد أن تفرغ من قراءة الصحيفة بسرعة!